Wednesday, November 28, 2007

حنين - 6



كان هناك ...... شواربي

لم يكن شارعا ممتدا طويلا ، ولا عريضا فسيحا ، ولم يكن يخترق المدينة بطولها ، إنما كان صغيرا، قصيرا ، ضيقا ، مكتظا برواده وسلعه ومتاجره الصغيرة الضيقة التي تصطف تباعا على جنباته وفي الأزقة الجانبية وبمتاجره الفخمة التي تحتل أركانه المتميزة .

شهرته لم تدانيها شهرة ، لا في العاصمة التي حوته ، ولا في غيرها من المدن ، وكيف لا وهي شهرة عمت أصداؤها كل البلدان المجاورة . كان اسمه دائم التردد على ألسنة البسطاء الذين أدمنوا ارتياده ، ليس بقصد الشراء إنما للنزهة والفرجة ؟؟ فهناك أغلى وأحدث ما في المدينه ؟؟؟ وهناك ملتقى المشاهير ممثلين ومطربين ونجوم المجتمع المدني وقتذاك .

شارع الشواربي .. هكذا كان اسمه

يتوسط القاهرة بثقة وخيلاء ؟ يؤمه الناس صبحا ومساء ؟ سمعت عنه كثيرا قبل أن تطأ قدماي أرض الكنانة في وقت كانت فيه تنفض عنها آخر أسمال الاشتراكية ، وتهجر حليفها الروسي لترتمي في أحضان غريمه الأمريكي ... كان نموذجا للتحول الذي فرض على البلاد وللآمال التي كانت تغدق على البسطاء ، مستقبل زاهر ورخاء وسلام .. كان في الشارع ما ليس في غيره ، كان كل ما فيه " مستورد " وكان كل ما في سواه محلي الصنع .

هو مقصد الباحث عما يحمل بين طياته نسمات الغرب ، على رفوفه تكدست قارورات العطر الفرنسي والبزات والأحذية الايطالية والمعاطف البريطانية والجينز الأمريكي والشوكولا السويسرية والأجهزة الألمانية واليابانية ... و في البيوت المشرفة على جانبيه تواعدت أجمل الأجساد الرخامية من كل شكل ولون ، تباع لمن يدفع الثمن ؟ ممثلات وراقصات كن معروفات أحيانا وكومبارس وطالبات جامعيات فاتنات أحيانا ؟؟ كنت تجد كل شيء وأي شيء حتى أني ما نسيت لليوم منظر زجاجات الكوكاكولا الصغيرة قد وضعت لتزين بعض الواجهات ؟؟ وهو المشروب الذي كان محرما إذ ذاك بقرار إدارة المقاطعة العربية لصلة الشركة الصانعة بإسرائيل ..

كان شارع الشواربي النافذة الأولى التي أطل من خلالها البسطاء على كل ما هو " مستورد " وهي كلمة كانت تدغدغ ألباب الكثيرين ، فمن كان يمتلك قميصا أو قلما أو حذاء مستوردا عد من المحظوظين الذين وهبهم الله ما حرم منه الكثيرين غيرهم ، وما كانت مصر في ذلك بشاذة عن الدول التي جنحت نحو النظام الاشتراكي فقد كانت سواء ، وهو نظام رغم بعض ما كان يسوءه حقق لمصر الكثير من صناعة واكتفاء وبعض مساواة وسيادة مكنتها وقتها من أن تكون سيدة نفسها ومصدر قرارها الذي فقدته لاحقا .

لم يكن الشارع شارعا ، كان عالما مصغرا ، نموذجا للمدينة التي حلم السادات بصياغتها ، وصاغها فعلا لكنه كان أول من دفع الثمن ؟؟؟ ومن شارع الشواربي ، بدأ الانفتاح الذي حسبه الكثيرون طوق النجاة وفرجة الأمل ؟؟ وما كان كذلك أبدا ..

سنوات عبرت ، عرجت بعدها على القاهرة أتلمس آثار الأماكن التي وقرت في ذاكرتي ... وبحثت عن شارع الشواربي الذي كان فلم أجده ..

بريقه انقضى ، وغدا يعيش على مجد مضى ، وتاه بين شوارع القاهرة التي غدت كلها شواربي ؟؟؟

12 comments:

موجة said...

عندك حق طبعا .. من الشواربي بدأ الانفتاح ليقضي الانفتاح أول ما يقضي على الشواربي ..
بس منفهوم المجتمع المدني ده مفهوم سياسي اصلا و بيشير للجماعات التي تعمل عمل تعاوني غير حكومي لخدمة البلد أكثر مما يشير الى كلمة المجتمع المدني اللي هو عكس المجتمع العسكري ..
ملاحظة واحدة فقط على كلام جميل ..
استمري

Anonymous said...

حياك الله طيب

يا ترى ما الأمر الذي جعلك تحن للشواربي

ما الذي أجج ذاكرتك في هذا المنحى

إعترف
:)
طيب

ألطيبُ said...

موجة
ذكرني اسم موجة باغنية لام كلثوم لا احفظ منها سوى ّ الموجة تجري ورا الموجة عايزة تطولها "
مرحبا بك اخي العزيز واتمنى ان تكون وجدت ما يقرأ
اما عن مصطلح المجتمع المدني فكلامك صحيح لكن تعريفك له وهو التعريف السائد الآن لم يكن هو التعريف سابقا ويبقى المعنى الحرفي له هو المجتمع المدني عكس العسكري دون الالتزام بالتعريفات الجديدة التي ادخلت الينا وعلينا الكثير من المصطلحات
اشكر زيارتك الكريمة واتمنى ان اراك ثانية
الطيب

ألطيبُ said...

نزهة
اهلا بك ايتها الصديقة العزيزة
تعلمين نزهة ان الانسان يبقى ضعيفا تجاه فترة ما من فترات حياته وتبقى اهم الفترات هي فترة الدراسة وكيف ان كانت هذه الفترة قد ترافقت مع انفتاحي على عالم جديد .. ليس الشواربي الذي اجن اليه ولا ما في الشواربي احن اليه :) لا في حوانيته ولا في ما يشرف عليه ابدا :) انما تلك المرحلة التي كنت اتمتع فيها بنعمة كبيرة اسمها الاندهاش اما اليوم فقد افتقدت لهذه الحاسة لم يعد يدهشني شيء وكم اتمنى ان يعيدها الله لي ثانية ففيها متعة ما بعدها متعة
ها انا اعترفت نزهة
دومي واسلمي في حفظ الله
الطيب

مريم said...

انا جييييييييييييييت
من غير زعل يا طيوب

تعرف ان انا برضه سمعت كتير عن الشارع ده
وكانت سيرته بتيجى حتى فى الافلام المصرى بس عمرى ما شفته زى القاهرة اللى لسه ما اقتحمتش اغوارها بعد

بس ليه قلبت علينا المواجع والاشتراكية الله يرحمها
ما التعديلات الدستورية الملوخية الاخيرة مسحت المادة اللى بتقول ان مصر بلد اشتراكى
بينى وبينك احنا فعلا مش بلد اشتركى ولا حتى رأسمالى احنا بلد عشوائى

ربنا يستر ع البلد دى يا طيب

shreen said...

ايها الطيب الصديق
العزيز
لقد كتبت حقا حال شوارع مصر
التى تحولت كلها الى شارع الشواربى
شارع الشواربى
فقد بريقه وروعته
منذ ان ظهرت شوارع مثل عباس العقاد
وكوربة مصر الجديده وغيرها
بل اعتقد ان شارع الشواربى انتهى
بأتهاء العصر الملكى
وبداية الثوره

هل معنى هذا البوست
انك كنت بالقاهره قريبا ؟

تحياتى لك
وشكرا على كلماتك الرقيقه التى تركتها بمدونتى

مريم said...

انا استقبلت رسالتك بتاعة الفيس بوك
هو الراجل الغامض بسلامته المتخفى بنضارة ده يبقى انت
بس والله لك هيبة
زى اسمه ايه ده بافاروتى الله يرحمه بقى ويديك طولة العمر

بس نضارة ودقن معرفتش اشوفك
يا ابنى انت عليك تار؟

ألطيبُ said...

مريم
كويس انك افتكرتي بني آدم اسمه الطيب .. بايم مشاغلك كتيرة واللي واخد عقلك ميتهناش به يا مريومة ؟؟
نحن ولا فخر يا سيدتي بلاد لا تجيد ان تكون شيئا محددا لا راس مالية ولا اشتراكية ولا حتى والله عشوائية ولا حتى بظرميط على راي فؤاد المهندس نحن دول على البركة وربنا ساترها معانا حبتين والا كان الحال بقى غير الحال
تحياتي يا ايتها المريومة
الطيب

ألطيبُ said...

شيرين
اتمنى ان تكوني الآن في افضل حال وان تكوني استعدت الحيوية وراحة البال وان تكون متاعبك قد عبرت ومرت الى غير رجعة باذن الله تعالى
اسعدني اني رأيتك تمرين من هنا ثانية بعد احتجاب .
للاسف مر على آخر زيارة لي للقاهرة بضع سنوات لكني لا استطيع ان اطيل فأنا اطل عليها بين الحين والحين وكيف لا ولي فيها ذكريات كثيرة واصدقاء كثر .. واتمنى ان ازورها في الفترة المقبلة القريبة ان شاء الله
دمت شيرين صديقة عزيزة
الطيب

ألطيبُ said...

مريم
ده انتي حكاية
ام انك سعاد حسني ؟؟؟
والله اضحكتني يا مريومة من قلبي وانا اطالع تعليقك المشاغب هذا
نعم هي صورتي في فترة مضت كنت خلالها ملتحيا نوعا ما اما النضارة فقد قصدت ان اضع صورة كهذه لا تشفي الغليل وبيني وبينك اصله ما فيش حاجة تستاهل تتشاف يبقى ما فيش داعي ؟؟؟ ومخسرتيش حاجة مريومة لمل لم تتمكني من رؤيتي جيدا؟؟
وعلى العموم للمرة الالف " دمك عسل " يا مريم
الطيب

H-F-blady said...

السلام عليك
دائما تعجبني طريقة سردك
و حنين 1ـ6 هي من اجمل ما قرأت ليس فقط في مدونتك
اسلوبك جميل جدا أخدني فعلا الى اعماق مصر الحبيبة
ليتك تتكلم عن المغرب و اغواره بنفس الاسلوب
و ليتك تحن الى ما قبل فترة عيشك في مصر بنفس الطريقة
اتمنى لك كل الاستمرار

ألطيبُ said...

حنان
تنسمت من تعليقك رائحة أو نكهة انتقاد غلفته بالطبع رقة اسلوبك ولطفك
الانتقاد اني كتبت كثيرا ربما عن مصر ولم اكتب أي حنين الى ايامي المغربية و هو انتقاد لا يخلو بالطبع من غيرة على الوطن الذي تحبين واحب ولا شك اقدرها واكبرها
وثقي حنان ان اي تعليق منك او نقد ارحب به بكل مودة واضعه موقعه من الاهتمام
عندك حق ربما كتبت كثيرا عن مصر وايامي هناك ليس لسبب الا ذلك الذي قلته لنزهة وهي ان اجمل سنوات الانسان وهي سنوات الدراسة والجامعة قضيتها هناك وهي عادة ما تكون حافلة بالاحداث والاصدقاء والتعرف على الاشياء والدهشة والتساؤل . اضافة الى كرم ودماثة اهل مصر بالطبع واحتفائهم بالضيف .
وهذا لا ينفي كوني احن لايام كثيرة اخرى في المغرب وفي سواه من البلاد التي عشت فيها كانت ستجد طريقا للظهور في هذه المدونة .. وتقديرا لرأيك اعدك بان يكون حنيني القادم مغربيا قحا
اشكر ثناءك ومجاملتك الرقيقة ودمت لنا بالف خير
الطيب