لست أدري ما هي السمات التي يمكن أن يعتمد عليها البعض لدينا ، هنا في المغرب ، للحكم أو للتحديد بأن فلانا من هنا وفلانا من هناك ؟ أو أن فلانا مغربيا والآخر ليس كذلك ؟؟ . أستطيع أن أدفع نفسي لتفهم هذا النوع من التخمين حين يتعلق الأمر بمن ينتمون إلى العالم الغربي ، أوروبا وأمريكا أو حتى آسيا ، فزرقة أو خضرة العينين ، و صفرة الشعر وبياض الأديم لا يضل عنها حتى الضالون ؟؟؟؟ أما التمييز بين أشكال وجوه الشعوب العربية فيبقى أمرا صعبا إن لم يكن مستعصيا خصوصا إن صمت اللسان .
وحتى لا يبدو كلامي مبهما أردف قولي بأن مشكلتي التي تتابعني وتتبعني وتأبى أن تفارقني أينما حللت وأنا ارتحلت ، في بلدي المغرب ، هي ظن جل من أقابلهم أو التقيهم للوهلة الأولى بأني لست مغربيا ، إلا النزر اليسير ؟ بل وإصرارهم أحيانا على ذلك ؟ بعضهم يظنني مصريا ؟ ماشي الحال ، وبعضهم يعتقدني سوريا " منيح كتير ، أو عراقيا ؟ زين ، أو ليبيا ؟ باهي . وقد يجنح الاعتقاد بالبعض أحيانا كثيرة إلى الجزم بكوني سعوديا أو إماراتيا أو كويتيا ؟؟؟؟ وهنا تكمن الطامة الكبرى بالنسبة لي والتي تكدر مزاجي ، طامة لأسباب كثيرة ، أبسطها سمعتهم المتدنية التي نتجت عن ممارسات بعضهم المشينة واللا أخلاقية ، رغم علمي بل وثقتي بأن تلك السمعة ما جلبتها إليهم إلا أقلية فاسدة ، مهما كبر عددها ، أسدلت تلك السمعة عليهم جميعا ، حال الأقلية من الفتيات المغربيات اللائي تسئن إلى سمعة كل فتيات المغرب في الخارج وهي سمعة لا نرتضيها ونأباها ونردها على من يرمي بها في وجوهنا .
وهي طامة أيضا لاعتقاد وإيمان الكثيرين بأن كل من أتى من تلك البلاد الخليجية يحمل أمامه وخلفه وعلى أكتافه رزما من العملات إن شئت ريالا أو شئت دينارا بل ودولارا ويورو كذلك . وهو اعتقاد روجوا له هم أنفسهم وسعدوا وتلذذوا به دوما ؟؟ فلكثرما تجد خليجيا متواضع الحال يأتي إلى بلادنا سائحا مثقلا بديون رحلته لا يتوانى عن التظاهر والادعاء دوما بما ليس فيه وما لا يستطيعه ، همه الأوحد أن يقنع كل من يلتقيه بأنه أغنى الأغنياء أو ربما يملك بئر نفط في بلاده ؟؟؟ وهذه هي العقد بعينها وقد استحكمت في الألباب والنفوس ؟؟؟
وكم من مرة استغرقني التفكير في الأمر ، وأقصد هنا أمر وسمي دوما بالانتساب إلى بلاد أخرى ، و حاولت أن أصل إلى تفسير يقنعني لكن دون طائل ؟؟ لعله لوني ؟ لعلها شواربي ؟ أو عيناي ؟ أو لعلها صلعتي التي تتوجني ؟ أو هو طولي أو عرضي أو ذوقي في اللباس أو عطري أو .. أو ... ؟؟ لكنني لم أر في ذلك كله ما يخالف سمات المغاربة الذين أنا منهم ؟؟
لعلها لهجتي العامية قد تأثرت بعد سنوات العيش خارج المغرب ؟ أدرك ذلك ، فغدوت أتحدث باقتضاب موجزا أحيانا وحذرا من فلتات اللسان ، بل ومتحدثا بالإشارة أحيانا إن أمكن وبالفرنسية إن لم أجد مناصا أو بدا من ذلك ؟؟ رغم رفضي التحدث بها في وطني العربي اللسان ؟؟ لكن محاولاتي تلك كلها ذهبت أدراج الرياح ؟؟؟
لا يضيرني أن انعت بتلك الجنسيات بين الحين والآخر فكلها بلاد نعتز بها ونكن لها ما تستحقه من مودة ومحبة ، لكن أن ألاحق على الدوام بمثل ذلك أمر يبعث على الضيق حقا .
ولعل آخر حلقات هذا المسلسل المكسيكي اللانهائي كان ظهر اليوم حين عرجت على أحد المصارف لغرض في نفس يعقوب ، وما أن أنهيت معاملتي وهممت منصرفا ، حتى سألني موظف المصرف الذي ما كنت قد أغدقت عليه من الكلام إلا كلمة واحدة فقط توجز مبتغاي منه ، وهو يرسم على محياه ابتسامة بلهاء : ترى أيمكنني أن أستفسر عن جنسيتكم ؟؟؟؟؟ فوجئت دون أن أفاجأ ... تمالكت نفسي ... وسألته دون توان : ولماذا السؤال ؟ ألا أبدو لك مغربيا ؟؟ رد وهو لا يزال يرسم الابتسامة البلهاء مضيفا لها سمات الثقة بالنفس : أرى أنك يمكن أن تكون عراقيا أو سوريا أو ربما تكون مصريا .. قاطعته مغتاظا : غريب أن أوحي إليك بكوني من كل تلك الجنسيات ولا أوحي لك أبدا بأني قد أكون مغربيا ؟؟ واستدرت منصرفا دون أن أتيح له فرصة الرد ولا فرصة إتحافي بابتسامته التي أثارت وحشدت غيظي .. كالعادة