Tuesday, April 10, 2007

هذيان قد لا يعني أحد ؟؟ حنين 4


كنت دوما ممن يطربون للموسيقى ، وممن يلجأون إليها حين يشوب صفو مزاجهم التعكير أو التكدير ، لكنني لم أكن يوما ممن يتمايلون ويتأرجحون ويفقدون كثيرا من عقلهم ورزانتهم عندما يطربون ، و كنت استاء ممن يجنحون إلى ذلك من أصدقاء أو أغراب ؟؟ وقد قدر لي اليوم الاستمتاع بالفرجة على مطربين يتبارون في هز الوسط والمؤخرة والأرداف ، حتى أنهم تفوقوا على الراقصات المحترفات في الهز، وأصبحت استسيغ رؤِية الرقص الشرقي الذي تؤديه امرأة ولم أكن في يوم أعتبره فنا أو أرى فيه ما يستحق الرؤية والنظر ، لكن موجة الهز الرجالي التي اجتاحتنا مؤخرا جعلتني أقبل بأهون الشرين .

زمان .. لما كنا زغيرين كما تقول الأغنية ؟؟ كنا ننتقي ما نسمع فلم تكن المطربات ولا المطربين بهذا العدد، ولم نكن قد تقدمنا في هذا المجال إلى درجة أن بات لكل مواطن مطرب ومطربة ولكل مواطن راقص وراقصة ، وهو تقدم لا ينكره إلا جاحد بانجازات دولنا وحكوماتنا العربية التي استطاعت ان تحقق في هذا المجال ما لم يستطع تحقيقه الغرب ؟؟

وقتذاك كان كل منا يختار مطربا يستمع إليه يستسيغ صوته أو طريقة غناءه أو ألحانه وكنا نتبارى فيمن يقنع الآخرين بأنه صاحب الاختيار الأصوب والأذن الأكثر موسيقية من الآخرين .

كنت حينها ولا أزال محبا للموسيقار فريد الأطرش مستمعا إلى محمد عبد الوهاب وآخرين سواه ونافرا من عبد الحليم وأم كلثوم ؟؟ كان عمهم بالنسبة لي فريد كما يقول أخوتنا المصريين وقد استطعت أن أجمع كل ما غنا وكل ما مثل وكثيرا من حفلاته الخاصة على اختلافها ، ومنها على سبيل المثال حفلته التي أحياها في زفاف الملك حسين ملك الأردن السابق وهي حفلة نادرة أعتز باقتنائها..

وقتذاك ، وحتى اليوم ، كنت معجبا بمطرب آخر من نمط مختلف ومتميز اقتسم محبتي لفريد وهو الشيخ إمام عيسى وشهرته الشيخ إمام ؟؟ كان الشيخ إمام حالة خاصة ونكهة خاصة لم تجد مصر بمثلها ولن تجود على ما يبدو كان مصريا حتى النخاع وعربيا حتى النفس الأخير كان شيخا حافظا للقرآن وقارئا له لسنوات وانقلب مطربا تتلمذ على يدي الشيخ زكريا أحمد وعلم الشيخ سيد مكاوي لكنه كان مقاتلا محاربا يخرج من معتقل ليدخل آخر لم تمنعه ظلمة عينيه ولا عتمة حياته التي لازمته منذ الشهر الثاني لولادته عن محاربة كل طاغية وأي طاغية ، لم تمنعه عن أن يصرخ بالصوت عاليا حتى آخر همسة . كنا نرى فيه الناطق باسم الطلبة الذين كنا نحن هم وباسم العمال الكادحين وباسم الفلاحين وباسم كل المطحونين ، كانت تهتز له مسارح باريس ولندن ومدريد وليبيا وسوريا والجزائر واليمن والعراق وكل دولة استقبلته ، ولم تكن المغرب من بينهم فقد رفضته ؟؟ فمثله لم يكن ممكنا وقتها أن يقبل هنا ؟؟

في تلك السنوات العاصفة التي سبقت اغتيال السادات كانت أغنيات الشيخ إمام كالمنشورات المحظورة ، فقد كانت أغانيه ممنوعة وصوته ممنوع وحتى ذكر اسمه كان ممنوعا يجر عليك إن نطقت به من المتاعب ما أنت في غنى عنه ؟؟ لكننا رغم ذلك كنا نسمعه ونطرب له ونعجب به ونردد ما يقول من شرفت يا نكسون بابا إلى إتجمعوا العشاق في سجن القلعة إلى أبوح وجيفارا وهوشي منه ومصر يا بهية وحاحا وجيسكار ديستان إلى آخر القائمة .

كان إمام معجونا بتراب مصر وماء العروبة نحيلا كرس حياته لهدف أخلص له وكان معه رفيق أحمد فؤاد نجم فكونا ثنائيا أبهرنا وأمتعنا وأطربنا سنوات طوال حتى دب العياء في جسد نجم فقرر الانسحاب ليظل إمام مثابرا مناضلا حتى وفاته .

أحيي روحه ، وكم أنا محتاج للاستماع إليه هذه الأيام ، وهو ما أفعله ، لأشحذ الهمة وأرفع المعنويات وأشعر بعروبتي وعلو هامتي في زمن انكسر فيه الرجال إن كان قد تبقى هناك رجال ؟؟

الطيب

لمن لم يستمع إلى أغاني إمام هاكم كلمات أغية من أشهر أغنياته :

اتجمعوا العشاق

اتجمعوا العشاق في سجن القلعة ... اتجمعوا العشاق في باب الخلق

و الشمس غنوة من الزنازن طالعة .. و مصر غنوة مفرعة في الحلق

تجمعوا العشاق بالزنزانة .... مهما يطول السجن مهما القهر

مهما يزيد الفجر بالسجانة .. مين اللي يقدر ساعة يحبس مصر

...............

تجمعوا و العشق نار في الدم ..... نار تحرق الجوع و الدموع و الهم

نار تشتعل لما القدم ينضم .... لما الايادي تفور في لم اللحم

و اللحم متنتور في رملة سينا .... و الكدب بيحجز على أيادينا

قدم العدو غارسة في لحم ترابي ... و الكدب عشش مخبرين على بابي

و المخبرين خارجين كلاب سعرانة ... بيجمعوا العشاق في الزنزانة

...............

مصر النهار يطلقنا في الميادين .. مصر البكا .. مصر الغنا و الطين

مصر الشموس الهالة من الزنزانين .. هالة و طارحة بدمنا بسا تين

مصر الجناين طرحة مين يقطفها .. مصر الجناين للي يرفع سيفها

مهما يطول السجن مهما القهر .. مهما يزيد الفجر بالسجانة

مين اللي يقدر ساعة يحبس مصر