فلسطين ، مشهد هزلي آخر
يبدو أن الحكومة التي جاءت منذ بضعة أشهر برغبة واختيار الشعب الفلسطيني عقب انتخابات حرة ، أصبحت اليوم عبئا ثقيلا على كاهل ذلك الشعب ، بعد أن تجمعت عليها قوى عديدة لتكبلها ولتعيق من تحركها ، بل لتقيدها ولتجعلها حكومة لا تمارس حكما ولا تقوم بأي مهام . وإذا كنا نتفهم أن تسارع الولايات المتحدة وإسرائيل بتنفيذ هذه المهمة خدمة لأهداف لا تخفى على أحد ، فإنه ما كان مقبولا أبدا ولا مفهوما أن تسارع أنظمة عربية لتنهج ذات الدرب ولتضطلع بذات المهمة و لتلعب نفس الدور لكن بحماس أكبر وإخلاص أشد ، ويا ليت الأمر توقف عند هذا الحد ، بل كانت الطامة الكبرى أن رأينا فتحا بكوادرها وقادتها ، وعلى رأسهم رأس الدولة المدعو أبو مازن ، يتخندقون في ذات الخندق ويتآمرون على الحكومة الجديدة التي تجرأت واستطاعت أن تكسر احتكارهم للحكم وللسلطة ؟؟
كان طبيعيا أن تفشل الحكومة وأن يكون رصيدها من الانجازات حتى اليوم صفرا ، بعد أن اجتمعت عليها كل تلك القوى لتشلها وتمنعها من الحركة بل من التنفس إن أمكن . ولا يمكن لأي منصف إلا أن يعذرها ، لكنها أمام هذه الضغوط كلها كان حريا بها أن تعلن أمام الملأ استقالتها موضحة حجم التآمر الذي تعرضت له ، لا أن تظل متشبثة بالحكم دون أن تحكم وأن تصبح عبئا مضافا على الشعب الفلسطيني ، الذي لم يكن بحاجة للمزيد من الأعباء فتململ مجبرا على شكل تظاهرات وإضرابات وجدت من يغذيها ويزيد في إشعالها ، ولو كان قد كتب لي أن أكون مكان رئيس الوزارة لكنت سارعت بالاستقالة المسببة ، ولكنت فضحت كل ما حيك ضدي ، وضد فريقي ، واضعا التفاصيل أمام الرأي العام المحلي بل والدولي تاركا له الحكم وتقدير الموقف .
أما أن يصل الخلاف إلى درجة التصادم المسلح ، فيقع العشرات من القتلى والجرحى ، وأن يفقد السلاح الفلسطيني شرفه فيتحول من وجهته الأصيلة ، وهي صدور الصهاينة إلى صدور الفلسطينيين ، وأن يصل الاحتقان إلى درجة العداء والعناد إلى حد الكفر بالآخر ، والخلاف إلى التصفية الجسدية ، وأن ننسى إسرائيل ويغيب عنا أنها العدو الوحيد ؟؟ فذلك ولا شك مشهد هزلي ، بل سريالي ، على الفلسطينيين أن يتنبهوا إليه سريعا ويعملوا على تلافيه ومسحه من الأذهان التي يسيئها كثيرا أن تتابعه كل يوم عبر شاشات التلفزيون ، إلى درجة دعت الآنسة غير الفاضلة كونداليزا رايس لتتفضل فتتقدم لنا بنصح فصائل الشعب الفلسطيني بالتفاهم وتجاوز خلافاتهم ؟؟؟ تخيلوا ؟ الشيطان يعظ ؟
الطيب
