Friday, February 16, 2007

من أجل الأقصى الشريف

مسجد الصخرة
المسجد الأقصى ومسجد الصخرة
الصخرة التي اعتلاها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في اسرائه
المسجد الأقصى

لست اخفي ، ولا أريد أن اخفي ، أنني إن كنت اكتب اليوم ثانية في الأمر لجلله ، واستجابة لدعوة من أصدقاء مدونين أحترمهم للمساهمة في " يوم التدوين من أجل الأقصى الشريف " ، فلدي إيمان عميق بأن هذه المساهمة وهذا المجهود الرائع الذي تنادت له هذه المجموعة المتميزة الغيورة من المدونين وان كان مشكورا ومحمودا ، فلن يحقق الأهداف التي نسمو جميعا إليها ، وهي وقف هذه التعديات المستمرة والانتهاكات المتوالية لمقدساتنا الإسلامية في بيت المقدس والخليل وكل فلسطين المحتلة ، لأن أقصى ما يمكن أن تحققه مجهودات كهذه التعريف بالقضية لمن ربما هم على اطلاع عليها مسبقا ؟؟ وربما تزيد على ذلك بقليل ، فتعمق معرفة من ضحلت معرفته في هذا الشأن ، ومع أن هذا بحد ذاته إنجاز لا بأس به ، إلا أنه يبقى أقل مما ننشده في هذا الظرف وهذا الوقت وهذا الزمن الذي نستباح فيه من جميع القوى المتسلطة .

كنت أحبذ لو تنادينا لمظاهرة عارمة حاشدة تفرض نفسها على نشرات أخبار الفضائيات العالمية فيلتفت إلينا انتباه القاصي والداني ليعرف أن هناك أمرا جللا يحدث في القدس . كنت أتمنى أن ترتقي ردة الفعل العربية الإسلامية إلى مستوى الحدث وحجمه ، وأن تكون أكثر حرارة من هذا الذي نراه . كنت أتمنى لو كانت مظاهرة الرباط التي لم يشارك فيها أكثر من ألفي متظاهر ، حسب التقديرات المستقلة ، مظاهرة تعكس بصدق درجة الغليان الذي يلهب مشاعر المغاربة وهم يتابعون ما يجري ، وتمنيت لو أن الحشود يوم ذاك ملأت شوارع وأزقة ودروب وسط المدينه كلها وأن يكون عديد المشاركين فيها قد تخطى المليون مشارك ، وهو رقم لطالما تخطته مظاهرات سابقة . كنت أتمنى أن يكون اهتمام الفلسطينيين أنفسهم أكثر مما بدا ، انتظرت منهم انتفاضة عارمة ، وجماهيرا حية تجتاح الشوارع رافعة صوتها عاليا تخرق أذان الصهاينة الصماء ، تمنيت أن تملأ جموعهم شوارع القدس ورام الله ونابلس وجنين وغزة بل والناصرة ومدن الخط الأخضر كلها ، وأن يعلنوا اعتصاما مستمرا غير محدود لا في وقته ولا زمانه . كنت أتمنى أن تتفرغ الحكومة الفلسطينية لكارثة بدت تتبدى ملامح فصل جديد منها عوض التنافس على من يكيل من الشكر والمديح والإطراء للسعودية أكثر على أمر لم يبت بعد ولم تنضج ثماره ، وكم كنت أتمنى أن يكون الزعماء العرب والمسلمون عربا أكثر ومسلمين أكثر بل أن يكونوا زعماء أكثر واكبر ، كنت أتمنى أن تجتمع لجنة القدس التي يرأسها المغرب فتقول ولو كلمة ؟؟ لكنها لم تفعل وآثرت الصمت ولست أدري متى يمكن أن تجتمع إن لم يكن اليوم ، ومتى يمكن أن تنطق إن صمتت اليوم ؟؟؟ كنت أتمنى الكثير الكثير ، ولا أخشى أن تبادرني إحدى الصديقات الفضليات أو احد الأصدقاء الأفاضل بالقول انك يا طيب تطلب الكثير ؟؟؟؟ فإن كنت اطلب الكثير بمقياس زمننا الرديء ، فهو اقل ما يمكن أن اطلب ؟؟؟ . أما الاكتفاء بالكتابة في المدونات فهو تحرك محدود في انتشاره ، صامت في إسماعه ، ولن يلتفت إليه إلا القليلون ونحن بلاد تعشعش فيها الأمية وتستقر ؟؟.

وإذا كنت أدعو إلى أن يكون الاحتجاج عالي النبرة يسمعه من لا يسمع ، كبيرا حجمه يراه من لا يرى ، ويحسب حسابه من لا يحسبنا أمة لها الحق في العيش الكريم ، مصانة حقوقها ، محفوظة مقدساتها وثرواتها ومقدراتها ، فإنني أدعو كذلك إلى لزوم تعريف العامة بما يجري ، فمن المدهش حقا ما لمسته من جهل الكثيرين لا بقضية المسجد الأقصى فحسب ، بل حتى بأبسط الأمور المتعلقة به ، فالكثيرون مثلا يخلطون حتى يومنا هذا بين المسجد الأقصى ومسجد قبة الصخرة ويجهلون تاريخه ومكانته لجموع المسلمين وأسباب تلك المكانه ؟؟

يعتقد الكثيرون منا ، حتى ممن يتحمسون للأمر ، أن المسجد الأقصى هو ذلك المبنى الذي تعلوه القبة المذهبة الصفراء البديعة الشكل ، وهو اعتقاد خاطئ بالطبع عملت إسرائيل على ترويجه منذ سنوات حتى رسخ في أذهان الكثيرين تمهيدا ، ربما ، لان تعمل مستقبلا على النيل من المسجد الأقصى الفعلي في غفلة من الجميع ، و المسجد الأقصى لمن قد يختلط عليه الأمر هو المسجد الذي يبدو في الصورتين المرفقتين أعلاه ، وقد تعددت الروايات التاريخية حول تاريخ بناءه الفعلي ، وحول شخصية بانيه ، وهل هو الأقدم أم أن الحرم المكي سبقه في البناء ؟؟ أسئلة عديدة حاولت أن ألم بها لأجيب عنها مجتمعة .

يقع المسجد الأقصى الذي نتحدث عنه على مساحة مترامية ، على شكل شبه منحرف ، تقوم على ربوة مطلة على ما يحيط بها جنوب شرق مدينة القدس ويصل طول الضلع الجنوبي إلى 281 مترا والضلع الشمالي 310 مترا والشرقي 462 مترا أما الضلع الغربي وهو الأطول فيصل طوله إلى 491 مترا . وهذه المساحة من الأرض مجتمعة يطلق عليها اسم المسجد الأقصى أي أن التسمية لا تقتصر على البناء فحسب بل تشمل كل ما في هذه المساحة من أرض ومبان كذلك .

وإذا كانت الروايات التي تناولت تاريخ المسجد الأقصى متباينة في تحديد بانيه متأرجحة بين من أرجع ذلك الفضل إلى الملائكة ومن أرجعه إلى سيدنا آدم عليه السلام ، فإن الحديث النبوي الشريف حسم الأمر فيما يتعلق بمن بني أولا المسجد الحرام بمكة ، أم المسجد الأقصى ببيت المقدس ؟؟ فعن البخاري في صحيحه بالسند إلى أبي ذر قال : قلت : يا رسول الله أي مسجد وضع في الأرض أول ؟ قال : المسجد الحرام ، قال : قلت : ثم أي ، قال : ألمسجد الأقصى ، قال : كم كان بينهما ؟ قال: أربعون سنة ثم أين ما أدركتك الصلاة بعد فصله فإن الفضل فيه . إنتهى الحديث . وإذا كان المسجد الأقصى ثاني المساجد التي وضعت في الأرض فلا يجب أن ننسى أنه كان أول قبلة توجه نحوها المسلمون في صلواتهم واستمروا على ذلك لمدة تراوحت بين ال: 16 شهرا و17 شهرا ، تحولت بعدها القبلة تجاه المسجد الحرام بمكة المكرمة ، وهو ما يزيد من إبراز أهمية ذلك المسجد لدى عموم المسلمين باختلاف مذاهبهم وفرقهم .

كان المسجد الأقصى في أول عهوده مبنيا من الخشب ، و لم يأخذ الشكل المعروف للمساجد حتى بناه سيدنا عمر بن الخطاب سنة 20هـ ، ثم أعيد بناؤه مرة أخرى على يد الخليفة عبد الملك بن مروان في أواخر عهده ليواصل ابنه الوليد البناء بعد ذلك ويتمه ، وكان المبنى وقت ذاك أكبر بكثير مما نراه عليه اليوم بل يقدر بضعف المساحة الحالية . أما المسجد على صورته الراهنة التي نعرفها فينسب إلى الفاطميين الذين قاموا بتضييق مساحته إلى نصف ما كانت عليه تقريبا . وقد تعرض مبنى المسجد لزلزال مدمر عام 132 هـ فرممه الخليفة العباسي أبي جعفر المنصور سنة 141 هـ ، ولزلزال آخر في عهد الفاطميين عام 425 هـ وأعاد بناءه الظاهر لإعزاز دين الله عام 427 هـ .

أما قبة الصخرة التي تعلو مسجد الصخرة وتسبب لبسا للكثيرين ممن يعتقدون أنها هي المسجد الأقصى ، فقد بنيت أول مرة عام 66 للهجرة على يد الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان الذي كان قد رصد لبنائها ريع خراج مصر لمدة سبع سنين ، وقد تم البناء عام 72 للهجرة ، وكان قد فاض من ميزانية البناء مبلغا قدره مئة ألف دينار ذهبي ، فكر الخليفة في منحها للمهندسين اللذين أشرفا على عملية التصميم والبناء وهما رجاء بن حيوة الكندي ويزيد بن سلام اللذين رفضا قبول المبلغ ابتغاء للمثوبة والأجر ، فأمر الخليفة بصهر تلك الدنانير الذهبية لتطلى بها القبة والأبواب .

وتعلو قبة مسجد الصخرة المذهبة الصخرة التي قيل إن الرسول عليه الصلاة والسلام كان قد اعتلاها مستعينا بها في إسراءه إلى رب السماء في إسراءه ومعراجه .

هذه التعديات التي يقدم عليها الاسرائيليون بين الحين والحين ، والتي ننتفض نحن المدونون اليوم للتنديد بها ، لن تتوقف وسوف تتجدد ، طالما ظلوا يحاولون إثبات وجود آثار لما يسمونه هيكل سليمان أسفل المسجد الأقصى ، وهو ما فشلوا حتى الساعة في إثبات صحته أو في إيجاد دليل عليه أو أثر يدعم مقولتهم تلك ، ولن تتوقف طالما ظلت مواقفنا مائعة هلامية لا لون لها ولا طعم ، وطالما ظل زعماؤنا يغلبون الرغبة في الظهور بمظهر المتسامحين الصبورين المترفعين حتى على مقدساتهم وأقصاهم ، على أن يظهروا بمظهر المطالب بالحق المدافع عنه .

الطيب