بت على أعتاب إتمام السنة الأولى ، ليس عمرا بالطبع ؟ إنما تدوينا ؟ وقد كانت الأيام الماضيات فرصة تأملت خلالها هذا المشوار القصير مدة ، الغني تجربة ، والغريب في كنهه وطبيعته .
سمحت لي التجربة بمعرفة أشخاص ما كنت لأعرفهم خارج هذا النطاق ، من المغرب و من بلادي العربية التي أدين لها بالبنوة أيضا وإن تباعدت المسافات واختلفت اللهجات ؟ كان أهم ما ميز هذا التعارف أنه لم يتأتى لأغراض ولا لمقاصد أو أهداف مسبقة ، إنما كانت معرفة فكر حينا وقلم حينا ومبدأ حينا آخر ، فما جمعنا كان حب الكتابة والإبداع ، إن كان هناك إبداع ؟ وأحلام اشتركنا في حلمها ، وهموم عانيناها ، أو قهر كابدناه أو نكابده هنا وهناك على امتداد هذا الوطن .
حاولت جاهدا ، على الدوام ، أن أكون أنا ، وحاولت أن لا ترسم كلماتي وحروفي صورة إلا صورتي ، كما هي دونما تجميل أو تحسين ؟ وحرصت أن لا أقع فريسة إغراءات إمكانيات هذا العالم الافتراضي التي تخول لي كل سبل التجمل والادعاء ، فما تبنيت فكرا إلا ما آمنت به ، ولا ادعيت إلا ما اعتقدته ، وتوخيت أن تظل كلماتي المنشورة مطابقة لأفكاري ، وأن أجعل من المدونة مرآة تشي بما قد لا أبوح به لأحد ، وبما قد لا تطاوعني الكلمات ولا اللسان على الجهر به أمام الملأ ، فالقلم قد يسيل بسخاء بما قد يمتنع اللسان عن النطق به أحيانا كثيرة ؟
نشرت قليلا ، كتبت كثيرا ، قرأت كثيرا ، وسبرت كثيرا من العقول والقلوب ، في حدود ما أتاحته لي مدوناتهم من مادة ، تعاطفت مع البعض ونفرت من البعض ووجدت في البعض صورة مني أو نقيضا لي ، لمست من البعض إحساس أخوة أو صداقة حقيقي ، ولمست من آخرين ادعاءات ما لبث أن تلاشت وتلاشى مدعوها وغدوا وكأنهم ما كانوا ؟
كانت الكلمة هي الفاعل الوحيد ، تقريبا ، في هذا العالم .. حيث يتلاشى دور المؤثرات الأخرى أو يكاد ، فلا شكل الإنسان يهم ، ولا هندامه ولا طريقة إلقاءه أو تعبيره ، ولا رنة صوته أو رخامته أو نشوزه ، فالحسم يبقى غالبا للكلمة ، ولهيئة المدونة وألوانها أحيانا قليلة ، وللصورة نادرا .
وأنا إذ لا أغفل دور اللون والتنسيق والصورة فلأني استمتعت في أحيان بما في بعض المدونات من مادة في حين صدمت من ألوانها ، وهو ما حال بيني وبين التردد عليها رغم احترامي الجم لصاحبها ولفكره وقلمه ؟ ربما لاهتمامي البالغ باللون وتأثري به .
وإن أردت أن أسجل بعض انطباعاتي أو استنتاجاتي عن هذا الفضاء أجمل فيما يلي :
· يولي الكثير من المدونين اهتماما ملحوظا بالتعليقات التي تسجل في مدوناتهم ، وقد يرى بعضهم أنها مقياس تقاس به مدونتهم وتقيم ، وهو أمر لا أشاركهم فيه البتة لأني لمست عن قرب ما رسخ لدي القناعة بأن الكتابة الجيدة لا تجتذب دوما تعليقات كثيرة ، وليست كل كتابة رديئة طاردة لها ، خصوصا إذا كان المدون محاطا بأصدقاء له ربطتهم الصداقة برباطها قبل التدوين ، وهي على هذا لا يمكن أن تكون ، دوما ، مقياسا لجودة المدونة فكرا وقيمة ، إذ كثيرة هي المدونات التي لا تحظى بالكم الوفير من التعليقات و لا تخلو من الجودة والإجادة .. كما هي كثيرة المدونات التي تكتظ بتعليقات القراء في الوقت الذي تكاد تخلو فيه مما يمكن أن يقرأ . ونجد التعليقات تدور حول كل شيء إلا ما كتب في تلك المدونة ؟؟
· ولعل آفة التعليقات جنوحها غالبا إلى المجاملة والإطراء ، بحق وبغير حق ، وهو ما يفقدها مصداقيتها ومعناها ، إذ يصبح تبادل المجاملات سائدا ومسيطرا . من المعلقين من يخلص في مقصده ويدرك أهمية التعليق للمدون ، إلا أن منهم من لا يرى في التعليق الذي يضيفه لدى المدونين إلا وسيلة للتعريف بمدونته وبنفسه ، كما أن هناك من يتعامل مع المسألة بمنطق التجار فعمرو يعلق في مدونة زيد مادام زيد يعلق في مدونة عمر فإن امتنع زيد لسبب ما امتنع عمرو وتأخر أيضا ؟؟ وبذا لا يعود التعليق منزها من الأغراض في بعض الأحيان . بل قد يبلغ الأمر مبلغه لدى القليلين ربما أو الكثيرين لا أستطيع أن أجزم فيكتبون في مواضيع يعتقدون أنها الأكثر إدرارا للتعليقات ؟؟؟؟؟
· تقتضي مصداقية المدون حين يورد أجزاء من إبداعات كاتب أو شاعر معروف أو مغمور الحرص على ذكر اسمه وهو ما يفعله الكثيرون من باب النزاهة غالبا أو من باب خشية افتضاح أمر الاقتباس لدى البعض .. لكن هذا الحرص لا يكون ذاته لدى بعض المدونين إن كان اقتباسهم مستمدا من مدون آخر ؟؟ فيقعوا بذلك في محظور السرقة الأدبية ؟؟ وهو أمر تعرضت له من إحدى الأخوات واكتشفته بمحض الصدفة فدخلت معها في جدل لم يطل كثيرا ؟؟ إذ كانت من اللطف بأن اعترفت واعتذرت عن ذلك .. وإن ساقت في تبريرها أسبابا لم تكن لتقنعني إطلاقا .
· يخلق كثير من المدونين بعد فترة من التدوين " شللا أو فرقا " أو فئات وجماعات ينخرطون فيها ويحصرون ذاتهم في إطارها وهو أمر قد لا يخلو من بعض المميزات لكنه ولا شك عليه كثير من المآخذ .
· هذه الشللية تنحى أحيانا منحا عصبيا ، بشكل أو بآخر ، قد يكون أساسها المدينة الواحدة أو البلد الواحد وربما في بعض الأحيان تكون للمنطقة الجغرافية الكلمة الحسم .. في حين يكون النجاح الحقيقي للمدون ، حسب اعتقادي ، تمكنه من تجاوز تلك العصبيات كلها ليجعل من مدونته مقصدا يؤمه كل من يتداول لغته بغض النظر عن الجنسية أو الدولة أو الجهة . وتمكنه في نفس الوقت من التفاعل مع جميع الأفكار وتقبلها وإن اختلف معها .
· بالقدر الذي تستحوذ فيه السياسة على اهتمام فئة من المدونين تنفر منها فئة أخرى وتبتعد عنها قدر المستطاع وكأنها جرم ينتهون عنه أو كبيرة تابوا عنها ؟؟ وهذا يوضح مدى التخوف الذي يطال المدون العربي من الخوض في غمار ما قد يجلب له المتاعب حسبما رسخ في ذهن المجتمع العربي بإيحاء وفعل من تقلدوا السلطة والحكم .
· ما زال التدوين باللغة العربية مغربيا محدودا ، وما زالت الغلبة للمدونات المغربية باللغة الفرنسية ، وأعني بالغلبة هنا العدد لا أكثر ، وكم أتمنى أن نتخلى عن هذه النقيصة قريبا فنولي لغتنا ما تستحقه من اهتمام وتقدير .. جميل أن نجيد الكتابة بلغات العالم ورائع أن ننافس أصحابها في إتقانها لكن معيب ومخز أن لا يستطيع بعضنا الاستمتاع بامتلاك ناصية لغته دون أن يعي كم هو ضل السبيل .. حتى وإن كان من أصول ليست عربية ، فمن ارتضى الإسلام دينا ارتضى أن تكون العربية لغة له .
· على قلة عدد المدونات العربية والمدونين العرب فإن عديدهم الصغير يظل عينة عشوائية تمكننا من التعرف على بعض الاتجاهات الفكرية والأمراض الاجتماعية والميزات والنقائص في مجتمعنا العربي .. فهي نافذة تسمح لنا أن نشرف من خلالها على كل ما كان يخفى علينا وهو محيط بنا خلفنا أو أمامنا أو جوارنا .
يتبع