Sunday, May 22, 2016

رفعت الأقلام وجفت الصحف

         كثير هو الحبر الذي أريق في مواكبة زيارة السيد بان كي مون أمين عام منظمة الأمم المتحدة  للجمهورية الجزائرية ولمخيمات الانفصاليين فيها وما اعتراها من زلات، وقع الأمين العام فيها او اقترفها مكابرا رافضا أي تراجع او اعتذار، وفي مواكبة التداعيات التي سبقت صدور  قرار مجلس الامن رقم 2285  بتاريخ  29 ـ 4 ـ 2016 ،الذي تباينت الآراء  بشأنه بين من عده نصرا ومن رآه اخفاقا ومن اعتبره أهون الشرور ، وهو الذي كان في جميع أحواله أدنى بكثير مما توقعته جموع المغاربة التي التفت على اختلاف توجهاتها وميولها السياسية (كحالهم  دوما) حول هذه القضية. خصوصا بعد ديبلوماسية  التصعيد والمواجهة التي  انتهجتها الحكومة المغربية ردا على جنوح بان كي مون ومجاهرته بعدم الحياد واستعماله تعبيرات وكلمات مست سيادة المغرب وأساءت اليها  .

         وإذا كانت سياسة المواجهة هذه نجحت في حشد المشاعر وإذكاء الروح الوطنية وهو ما تجلى في المظاهرة الحاشدة التي وجهت من الرسائل أوضحها الى كل من يعنيه الأمر فإنها ، باعتبار أن الأعمال بخواتيمها ، فشلت في ضمان نتائج تخدم المغرب ورؤيتة للمسألة ، وكان قرار مجلس الأمن تجسيدا للإخفاق بعد أن خلنا أو خيل إلينا بأن النتائج مضمونة محسومة .
        وعلى عكس الاهتمام الإعلامي  الذي رافق الزيارة وما تلاها ، خَفَّ الاهتمام بعد صدور القرار وخَفَتْ ، وخَفَتَتِ الأصوات التي علت ، كما لو أن المسألة قضيت وتمّت  فرُفِعَتِ الأقلام وجَفَّتِ الصّحف ( كما ورد في الحديث الشريف مع اختلاف السياق ) وهو أمر مجافٍ لواقع الحال  لأن أزمةً جديدةً باتت تلوح في الأفق، تفصلنا عنها أيامٌ معدودات، وقادمة حتما إن لم تعالج بنجاعة .
        وبتحليل سريع لمجريات الأمور في هذا السياق يمكن أن يسجل المتابع ويرصد ما يلي  :  
         
ـ      أن رهان المغرب في قضية الصحراء على حلفائه لم يكن موفَّقا خصوصا الحليف الأكبر الأمريكي الذي دبَّج قرارا ظل حتى بعد تعديله بجهود الأصدقاء في فرنسا ومصر والسنغال وسواهم مجافيا للحق المغربي ، وهنا يطرح السؤالُ نفسه، هل نسَّق المغرب مع حلفائه وأطلعهم على ما اعتزم القيام به حينها من خطواتٍ تصعيدية ؟ أم  تُراه لم يفعل ؟ واكتفى بانتظار دعمهم  فكانت النتيجة على نحو ما رأينا ، وإذا كان هذا التصرف الأمريكي لم  يفاجئنا نحن عامَّة الناس لأنه لم يكن الاولَ  في هذا السياق فهل فوجئت به الأجهزة المسؤولة عن إدارة ومعالجة الملف ؟ وإذا كانت توقعته فلماذا لم تَحُلْ دونه قبل حدوثه ؟ ناهيك عن أن المتابعين لهذا الشأن  توجَّسوا شرًا منذ عُيِّنت السيدة سامانثا باورمندوبة دائمة للولايات المتحدة الأمريكية في الأمم المتحدة  لما عرف عن ميولها وتوجهاتها في العديد من الملفات .

ـ      دبلوماسية التصعيد التي تتبنى المثل الشعبي القائل ـ كبرها تصغار ـ ، وإن نجحت في إبراز صورة مغربٍ يأبى المَسَّ بسيادته ولو بكلمة، قد تكون ذات الدبلوماسية التي يمكن أن تُسبِّب أزمةً جديدةً بعد انتهاء مدة الأشهر الثلاثة التي حددها مجلس الأمن لإتمام عودة البعثة الأممية إلى أداء وظائفها كاملة ، متوعدا في حال عدم حصول ذلك بأن ينظر في السبل المثلى لتيسير تحقيق هذا الهدف وهي صيغة هلامية، يمكن ان تكون لصالح المغرب كما يمكن أن تكون ضده ، إذا لم يبادر المسؤولون بعملٍ دبلوماسيٍ مدروسٍ محكمٍ  يجنبنا أي تصادم آخرَ قد يكون في المرة المقبلة مع دول اكثرَ عديداً تتربص بالمغرب لا مع الأمين العام المقبل على الرحيل فحسب .

 ـ     إذا كان التخلي عن الساحة الإفريقية ، فيما مضى ، والنأيِ عن الساحة الامريكية اللاتينية مُبَرَّراً سابقا ، أو بُرِّرَ له ، وإذا كان الاهتمام قد انصب لسنواتٍ على ساحاتٍ بعينها دون الاخرى وغدا أمراً واقعاً حصدنا ثماره سابقا وحاضرا ، فإن هذا  الأمر بات اليوم غير مفهومٍ ولا مقبول . وإذا كان المغرب أدرك في السنوات الأخيرةِ أهمية التوجه نحو إفريقيا بتقوية العلاقات ونسج شبكة من المصالح الاقتصادية  فإنه لا يزال أسيرا في توجهاته بدائرة أصدقائه التقليديين ومطالَبٌ بالانفتاح علي عوالم أخرى لم تربطه بها  صداقة أو علاقة تاريخية ومنها دول مؤثرة ومهمة ،  حتى يُضَيِّقَ الخناقَ على أعداء وحدتنا الترابية الذين يسرحون فيها ويمرحون دون عناءٍ أو جهد ، هذا إن كنّا نؤمن بما يجمع عليه ساسة العالم بأن لا أصدقاءَ دائمين إنّما المصالح هي الدائمة . 

        وإذا كنا رفضنا أي تعامل أو تعاون مع مبعوث الاتحاد الافريقي الخاص بقضية الصحراء المغربية باعتباره منحازا ،وكنا محقين، فإن هذا لم يمنع مجلس الأمن من الإستماع اليه قبل اتخاذ قراره رقم  2285 بتاريخ  29.4.2016  . وإذا كان ضغطنا من أجل تراجع السويد عن أي توجه سلبي في قضية الصحراء نجح بحصولنا على تطمينات في هذا الشأن، مؤقتا، فإننا لذلك ولسواه ما نزال بحاجة إلى  فعل سياسي مؤثر يقنع بما نراه ونؤمن به في كل الساحات، ويحتِّمُ  التواجد في كل مكان والعمل في كل وقت لا موسميا أو وقت الأزمات .

ـ      أمام هذا الإجماع الوطني الذي يبديه المغاربة في قضية صحرائهم بات ملحا العمل على إنشاء هيئة وطنية استشارية جامعة لامّةٍ لمختلف الأطياف السياسية والحزبية والاتجاهات الاقتصادية وهيئات المجتمع المدني و للأسماء الوازنة في مختلف المجالات ولبرلمانيين ورجال سياسة سابقين ورجال اعمال ودين .....  لتؤازر وتواكب عمل الحكومة في هذا الصدد ولتكون جهة تُخاطِبُ وتُخاطَبُ  على المستوى الدولي  ولتبدي رأيها في كل تطورات الملف وتتابعه بالدراسة والمشورة وهو أمر سيجلي حتما امام أعين العالم اهتمام والتفاف مختلف شرائح الشعب بهذه المسألة ويوضح للجميع أنها قضية شعب وأمة لا قضية حكومة أو دولة فقط .   

ـ       إن إيماننا بقضيتنا وحقنا  لا يمكنه وحده ان يحقق الحق ويضمن النتائج، فلابد لأي حق من مُطالب والمطالبة تستدعي عملا دؤوبا وخبراءَ أكفياءَ ودبلوماسيين محترفين ينتشرون في الجهات الأربعة للكرة الأرضية، يشرحون ويقنعون ويبدِّدون أي زيفٍ أو وهمٍ يبذره الآخرون ، فمن لم نُسمِعه قولنا معذورٌ إن آمن بقول الآخرين .

ـ        قرار مجلس الأمن واضح لا لبس فيه ولا التباس، ولا يحتاج لطول درس وبحث وتحليل ، إنما يحتاج عملا سريعا ، لأن انقضاء المدة التي حددت دونما حل قد يفتح الباب مشرعا أمام بان كي مون ليحرك الدفة في الاتجاه الذي يراه ويناسبه .

ـ       من الحكمة أن نعي دوما أن لا ضامن يضمن أنك إن كبرتها سوف تصغر حتما ، فقد يحلو لها في مرة أو مرات أن تكبُر،  فيصعب او يستحيل لملمة أطرافها وبلغة الأمثال أيضا ـ ما كل مرة تسلم الجرة ـ .

ألطيب الطيب 

=========================