يوميات مع
بعيدا عن يوميات الحرب في لبنان التي تشغل الفكر وتملأ القلب طوال الليل والنهار ، بعيدا عن ذلك الواقع الذي بالقدر الذي يؤسف لضحاياه ودماره ، يبهج لصور الصمود والفداء والعزة التي تتبدى كل يوم وكل ساعة ، بعيدا عن ذلك الواقع وتلك اليوميات ،احكي لكم اليوم عن يومياتي مع ال: R4 ؟
ولمن لا يعرف ما تكون هذه ال : R4وخصوصا من يسكنون الجزء الشرقي من الوطن العربي ، أقول لهم إنها سيارة صغيرة كانت في يوم من الأيام الأكثر انتشارا وشعبية بالمغرب ، وأكاد اجزم في أوروبا قبل المغرب ، هي سيارة صغيرة شعبية رخيصة ، صبورة تتجشم عناءات الطرق كلها دون أن تئن أو تشكو ، تخلو من الكماليات وليس فيها إلا الضروريات . توقف إنتاجها سنة 1992 في فرنسا ، وسنة 1994 في المغرب بعد أن أنتجتها شركة رينو الفرنسية طوال 35 سنة ابتداء من سنة 1961 من القرن الماضي ، حيث شكلت حينها قفزة كبيرة في إنتاج السيارات الشعبية ، وظلت الشركة وفية لشكلها الاول حتى انها تكاد لم تبدل فيه شيئا الا القليل القليل .
.
ما كنت في يوم من الأيام لأتوقع شراء هذا النوع من السيارات ، ليس لسبب سوى أني لم أكن أفكر في هذا النوع ، ولا في هذا الشكل ، لكن الزمن دار دورته وفعل فعلته واشتريتها وركبتها واستعملتها ، لقد كانت الأنسب والأصلح لان تعمل في مزرعة العائلة فهي الصبورة الاقتصادية التي تتحمل ولا تشكو . ولا أنكر أنها أقنعتني بأدائها وخدماتها فبت لا أتوانى عن استعمالها في الطريق السيار الذي يقودني إلى حيث اذهب ويرجعني إلى حيث أعود . حتى أني ألفت مع الأيام استعمال مقبض السرعات الخاص بها والذي لم تنتج شبيها له أي من شركات السيارات في العالم بل حتى شركة رينو الفرنسية خصت هذا النوع فقط بهذا المقبض الذي يشبه مقبض الطائرات الشراعية ولم تعاود الكرة ثانية.
ومغامراتي مع سيارتي المناضلة أو كما يسميها الفرنسيون لا كاتريل La Quatrelle أو كاترينا ، لم تنحصر في خفتها حيث لا يزيد وزنها في أثقل نماذجها (موديلاتها ) عن
إن مغامراتي مع كاتريل لا تنحصر في قيادتها في إطار تلك المواصفات فقط ،وان كان ذلك يكفي كمغامرة ، بل تتجاوزها إلى نظرة الناس إليها ، وطريقة تعاملهم معها وبالتالي معي حين أكون على متنها ؟ ففي الطريق السيار ترشقك نظرة الاستصغار من كثير من المسافرين ، حتى إن بعضهم وان كان يركب بطة عرجاء فإنه يرى فيك وفي سيارتك المظلومة مناسبة وفرصة يثبت من خلالها لنفسه أن بطته العرجاء ليست عرجاء أبدا بل هي غزال رهوان كما يقول المصريون ؟؟ فتبدأ محاولاته لتجاوزك بحركات فيها من الاستعراض والتباهي الكثير مطمئنا نفسه أن هناك سيارة اضعف من تلك التي يركبها ، ويا لهول مفاجأته واحباطه حين يجدها همت كل الهمة أخذت شهيقا عميقا وتخطت بطته متراقصة بكل رشاقة . ويا ليت الأمر يقتصر على أصحاب البطات بل انه يتخطاهم إلى أصحاب سيارات حديثة قوية ، فبعضهم لا يتركها وشأنها بل يحرصون بدورهم على إظهار ما لديهم أمام هذه السيارة المناضلة اينما حلت وارتحلت ؟؟ ويظل الحال هو الحال في الذهاب والإياب وكل ترحال؟ وما يزيد الامر طرافة ان بعض من يسافرون على الطرق السريعة بين المدن بطريقة ايقاف السيارات " اوتو ستوب " تجدهم ملهوفين على ايقاف اي سيارة كي تقلهم الى حيث يرغبون موزعين ابتسامات ونظرات تحمل الاستعطاف ان لم اقل الاستجداء لكنهم حين يرون لا كاتريل قادمة يخفضون يدهم المرفوعة باشارة اوتوستوب ويتظاهرون بأنهم واقفون فحسب ؟؟ فحتى هؤلاء يختارون ما يركبون وسيارتي العزيزة لا تندرج في قائمة اختياراتهم إلا من أعياه الانتظار فبات يرجو ولو عربة بحمار تقله الى مقصده تكفيه عناء الانتظار او قيظ الشمس والصيف او الريح او المطر .
موديل سنة 1961
وكما في الطريق السريع فإن ركوب هذه السيارة وسط المدينة لا يخلو من الطرفة فما دمت تستقلها فأنت تبقى في مأمن من السعاة أو من الباعة المتجولين الذين يقبعون مرابطين عند اشارات المرور وعلامات قف و في المواقف العمومية للسيارات ، فهم لا يقتربون منها وبالتالي لا يتسببون في اي ازعاج لمن يستقلها معتقدين أن من يركبها قد لا يملك صدقة يقدمها أو لا يملك ثمن علبة كلينكس يشتريها منهم وبالتالي فهو ليس الزبون المنشود ؟؟ حتى وان كنت ترغب في التصدق أو في الشراء . والحال ذاته مع بعض أفراد شرطة المرور الذين أدمنوا التسلط على جباية ما يمكن أن نسميه بقشيشا من السيارات فهؤلاء أيضا لا يتوقفون أمام كاترينا ويكفون عنها أذاهم ؟؟
تحية لهذه السيارة التي بيعت منها ملايين النماذج طوال مدة إنتاجها ، والتي لا تزال تمشي على الطرقات دون كلل ودون ملل ، يستصغرها الكثيرون لكنهم يدركون في قرارة أنفسهم أنها سيارة مناضلة ؟
مرفق اسفله صورة تجمع كل القطع والأجزاء التي تضمها هذه السيارة وهو ما يوضح بساطتها وتواضعها . .