Sunday, December 17, 2006

فكر بالفرنسية وإياك أن تكتب بغير الفرنسية

عندما نحل بالصين لا نستغرب أن نجد الصينيين يتحدثون بالصينية ، وعندما نزور السويد لن نندهش إن وجدنا السويديين يتخاطبون بالسويدية ، فالسوي والقويم أن نجد كل شعب يتعامل ويتخاطب ويتفاهم بلغته الأم ، يدافع عنها ويحميها إن وجبت الحماية ، هذا إن أراد ذلك الشعب أن يحترم هويته ويحافظ عليها ويحفظ لها مكانتها بين الأمم . وحتى في أشد الظروف التي قد تمر بها الشعوب ، وهي فترات الاستعمار ، تستميت تلك الأمم في الدفاع عن هويتها وعن لغتها التي تجسد تلك الهوية . فما كان الاستعمار يوما مبررا لنستبدل لغة بلغة أخرى ، أو عادات بعادات ، أو قيم بقيم ، فرغم استمرار الدولة الإسلامية في الأندلس لثمانمئة سنة لم نجد الاسبان قد استبدلوا اللغة العربية بالاسبانية بعد انحسار الدولة الإسلامية ، ولا نحن وجدنا العرب قد استبدلوا اللغة التركية بلغتهم العربية بعد انتهاء الحكم العثماني الذي دام مئات السنين .

ونحن المغاربة متمسكون أيما تمسك بأسوارنا وأقواسنا العتيقة ، نجددها ونرممها ، وبقفطاننا وجلابتنا وبلغتنا ( الحذاء المغربي التقليدي ) ، ونطور فيها ونجود ، ونعتز بالطربوش ونفاخر بالأتاي الأخضر ونتغزل بطبق السكسو ، ونصر على أن لا نترك بدعة المواسم التي لا تعد ولا تحصى عددا بالمغرب رغم كل ما تحفل به من مظاهر تخلف وشعوذة تصل إلى حد الشرك أحيانا كثيرة ، ونعتبر ساحة الفنا تراثا إنسانيا لا يمس ، رغم أنه زاخر بالكثير من الصور التي يندى لها الجبين . نحن المغاربة نتمسك بكل تلك الأمور ونفتديها إن لزم الأمر باعتبارها عناصر تكون الشخصية المغربية ، ونفترض أن التفريط فيها تفريط في ثوابت ، لكننا في نفس الوقت نسينا للأسف أو تناسينا ما قد يكون أهم من كل ذلك ، نسينا أن نضيف إلى تلك الثوابت "إن كانت ثوابت" اللغة العربية التي حفظت تراثنا وتاريخنا ، ووحدت مجتمعنا ، وأغفلنا أنها لغة القرآن التي لا مناص من حمايتها ووضعها في المقام الذي يليق بها .

ربما نسينا ؟ أو لعلنا تناسينا ؟ حتى غدا من يزور بلادنا يفاجأ بنا نتحاور ونتخاطب ونتعامل بالفرنسية ، في المنزل والشارع والعمل والإدارة ، ونكتب بالفرنسية ونقرأ بالفرنسية ونفكر بالفرنسية بل وربما نحلم بالفرنسية ؟؟ معتقدين أنا إن سلكنا هذا المسلك الغريب فسوف نغدو متمدنين متحضرين و مثقفين ؟؟ وسوف نكون من النخبة ؟؟؟ حتى أن البعض منا يؤثر أن يتحدث بفرنسية عليلة مشوهة ، نطقا ولفظا وتركيبا ، عله يبدو من المثقفين ؟؟ على أن يتحدث بلغته فينعت بأنه من العوام ؟؟ فقد غدت لغة التخاطب مقياسا للفرز والتصنيف ؟؟ وغدت لغة القرآن لا تناسب مدعي الثقافة وأشباه المتعلمين . من المؤكد أن من يزورنا في بلادنا ويرانا على هذا الحال سوف يستغرب من هذا الخلل البادي ، وسوف يعتبرنا في حاجة إلى أن نتمعرب أكثر وأن نتمغرب أكثر ؟؟ .

هؤلاء الذين تمسكوا بتلابيب اللغة والثقافة الفرنسية لم يزدهم ذلك التمسك علما ولا ثقافة ولا مدارك جديدة ، لأنهم ما أخذوا منها إلا القشور والمظاهر ، وهم في بلادنا كثيرون كثيرون وما عادوا في حاجة لإقناع أو اقتناع ، ولا لجدال أو نقاش ، فقد استعصت حالتهم ، هم ربما في حاجة إلى من يخفف عنهم عقد النقص التي يعانونها ليعودوا إلى رشدهم . أو لعلهم في حاجة للتخلص من فصام حاد قد تأصل وتمكن ، ولعلك تصادف كثيرا ذلك النموذج الذي يتمسك بالجلابة والطربوش الأحمر والبلغة الصفراء أو تلك التي تتمسك بالقفطان والمضمة والجلابة و يفرط في لغته ويتبرأ من ثقافته ، ويحاول أن يبدو فرنسيا أكثر من الفرنسيين ، مهما كلفه ذلك ، فلا هو في النهاية ظل مغربيا كما كان ، ولا هو قبل من الفرنسيين فرنسيا ؟؟ لأنه ليس فرنسيا فحتى وإن تجنس يبقى دوما ابنا غير شرعي مهما فعل .

في بلادنا التي مضى على استقلالها نصف قرن لا زلنا نصادف في كل مكان مسؤولين صغارا وكبارا ، مدراء ووزراء يصعب عليهم نطق جملة واحدة بلغة عربية سليمة دون اقتراف أخطاء يأبى طفل في المستوى الابتدائي اقتراف مثلها ؟؟ وتخيل ما سيكون عليه الحال إن نحن طلبنا منه إنشاء فقرة كاملة ، أو إعداد تقرير مطول عن أمر أو مهمة ما ؟؟ سوف يكون الأمر هزليا حتما ، أو لعله ما يسمى المضحك المبكي ؟؟

إن تعلم اللغات والإلمام بها أمر محمود ، بل هو أمر مفروض وحتمي حث عليه الرسول الكريم منذ ألف وأربعمئة عام مضت ، فما بالك اليوم وقد تقطعت بنا السبل وساد التخلف وتفشى الجهل ، فقد غدت اللغات هي السبيل لنهل العلم والحداثة والتقنيات من الغرب ، لعلنا بذلك نسبر غور الهوة التي باتت تفصلنا عن التطور العلمي الذي وصل إليه الآخرون . لكن ذلك لا يعني أبدا أن يأتي العربي ( الشقيق ) إلى المغرب "العربي المسلم" فيشعر بالغربة بسبب تفشي الفرنسية إلى حد لا يطاق ، في حين يشعر الفرنسي ( الغير شقيق ) بالدفء والحميمية لذات السبب . ولا يعني أبدا أن تغزو الملصقات الإعلانية الضخمة شوارع وطرقات المدن المغربية لتتوجه مخاطبة المستهلك المغربي "في بلده المغرب" باللغة الفرنسية ؟ ولا أن تتوالد محطات إذاعية وتلفزية تنفذ إلى أذاننا وأعيننا بلغة ليست لغتنا ، وإن تعاملت بها أحيانا فمن باب رفع العتب وباستحياء جم يفوق استحياء العذارى الذي كان ؟؟

والصور الغريبة كثيرة وعديدة يصعب حصرها ويتعذر ، و لعل لنا في إسبانيا المثل والقدوة ، حيث يشكو كل من يزورها من تمسك الإسبان بلغتهم ، فهم وإن كانوا يجيدون لغات أخرى يفرضون على من يزورهم احترام لغتهم بتعاملهم معه من خلالها ، بحيث لا يكاد يغادر السائح إسبانيا إلا ويكون قد تعلم كلمات وتعبيرات إسبانية عدة ويحرص قبل العودة إليها على الإلمام بالمزيد منها . ورغم كون إسبانيا دولة سياحية بامتياز يفوق عدد من يزوروها سنويا أربعين مليونا ، إلا أن شعبها يرفض تقديم أي تنازلات فيما يتعلق بلغته في سبيل السياحة المورد الذي يدر عليها ملايير الدولارات سنويا . فأين نحن من هذا المثل ومن هذه القدوة ؟؟ وما حال هذا دون تقدمهم أوتطورهم صناعيا واقتصاديا وتقنيا ، ولا هو حال دون دخولهم في زمرة الدول المتقدمة ، وها أنت لا تكاد تجد مطبوعة صحيفة أو مجلة أو كتابا يصدر في العالم إلا وتجده في إسبانيا يباع لكن باللغة الإسبانية ؟؟؟ هم لا يفرطون في شيء ، ونحن نفرط في كل شيء ، هم يحترمون ماضيهم وتراثهم وتاريخهم باحترامهم لغتهم ، ونحن لا نحترم تاريخنا ولا تراثنا ولا ماضينا بتفريطنا في لغتنا .

إن كنت قد عممت فلأن الظاهرة عامة للأسف وتجد من يغذيها ويدعمها ، لكن هذا لا ينفي أن هناك العديدين من الغيورين المدركين لخطورة ما نحن فيه ، ويبذلون جهدا ووقتا للدفاع عن لغتنا الجميلة ( وهنا ابعث لهم بتحيتي ومنهم صاحب مدونة "بلا فرنسية" ) ، لكن صوتهم في هذا الصخب ما يزال خافتا ، وفي هذا الفجور مازال خجولا ، لكنه لابد سيعلو ويعلو ويعلو حتى يطغى فيسمعه الجميع ........... الطيب


2 comments:

Anonymous said...

salam,
c'est vraiment "ma39oula" ce que vous venez de dire,mais je veux que vous etes quelque part tres pissimiste, je croi que" the sun don't shine forever"..j'ai déja lu qq article qui parle de ce prob , mais il faut garder le sourire car j'ai trouvé parmis ces article qui pense que l'arab est en bonne route ces 3 derniere année.
je pense que ce que vous avez acrit est une alerte directe pour tout les bloggeurs (dont moi)pr ecrire en arab..et je pense que le message est bien reçu!
N.B j'ai ecri en français car j'ai un probleme avec le calvié...
bslam
pr contacte :www.webyassine.blogs.ma

Anonymous said...

الأخ الطيب: لقد فاتني هذا الموضوع !!! ولم أقرأه حتى اليوم.. يسعدني إهتمامك بالمدونة وبالإشارة الجميلة إليها في مقالك... وأبادلك التحية بأحسن منها.

أخوك أحمد