عقدة الحادي عشر
ها هو الحادي عشر من سبتمبر يعود مرة أخرى ، وها هي وسائل الإعلام المختلفة تستنفر و تنهال على أذاننا وأبصارنا بمواد وأفلام ومقابلات وحوارات عن ذلك اليوم المشهود الذي ذلت فيه الإدارة الأمريكية في عقر دارها ، على مرءا ومسمع من كل شعوب الأرض ، وهي التي كانت ولا تزال المتسلطة المتجبرة.
كان يوما فارقا في التاريخ الحديث استتبعته أحداث ضخمة في حجمها ونتائجها ، وقد هرولت دولنا كعادتها لتحاول بشتى الطرق والسبل لأن تسجل وتؤكد وتثبت بأننا ضد قتل الأبرياء وضد إرهابهم وترويعهم حتى قبل أن يطالنا أي اتهام ، وطالبت على استحياء بأن يرأف الغرب بحالنا . لكنها كالعادة أيضا لم تحسن اختيار لا الوسيلة ولا الطريقة ، ورغم كل ما فعلته فلا نحن تخلصنا من تهمة دمغنا بها زورا ، ولا نحن أقنعناهم بكف أذاهم عنا وعن شعوبنا . ما قلناه لم يسمع ، وما سكبناه من كبرياء وكرامة و ما لحق بنا من مهانة واهانة ذهب سدا ، ولم نجن سوى مهانة أكبر وإهانة أكثر بفضل السياسة الرشيدة والساسة الراشدون الذين فشلوا كما يفشلون دوما .
بعد مضي خمس سنوات على الحادثة ، وبعد ما قدمناه من خضوع واسترضاء ، واستضافة للجيوش ، ودعم مادي قدر بملايير الدولارات ، تزايد العداء وتنامت الكراهية واستباح الغرب ما تبقى له من محرماتنا حتى عدنا بلا محرمات . أفغانستان احتلت ، والعراق دمر ، و فلسطين محاصرة معزولة تعاني الجوع والتقتيل والدمار ، وهاهي لبنان و سوريا وإيران تعاني ما تعانيه وتنتظر ما سيكون ، وهاهم العرب تفرقوا شيعا بل تفتتوا كل يطلب ود الغرب وإن كان على حساب الأخوة الاشقاء ؟ وها نحن كما نحن دوما نتفرج ، ونتابع ، ونشاهد مكممين بهذه الذكرى وما صار فيها نعاني عقدة الحادي عشر من سبتمبر ؟ وبتنا مستعدين للصمت وللتغاضي عن كل حق تبقى لنا لعلنا ننفي بذلك عن أنفسنا تهمة الإرهاب .
وإذا كان هذا التاريخ ، وكانت هذه الحادثة ، هي ما شرع وأعلن ما أسموه الحرب على الإرهاب ، وإذا كان هذا الإرهاب وصمة لم تطل سوانا ؟ وإذا كان الإرهاب لملم بين طياته حسبما قرروا الجهاد والمقاومة والاستشهاد وكل ما يمكن أن يلملمه ، فإن الحرب ضد الإرهاب غدت اليوم إرهابا مضاعفا لا تمارسه جماعات بل دول عظمى وصغرى . وإذا كان الإرهاب أدمى الآلاف وقتل المئات ، فإن الحرب ضد الإرهاب أدمت مئات الألوف ، وقتلت عشرات الألوف جلهم أيضا من الاطفال والنساء والعجائز ، ودمرت مدنا وقرى على رؤوس أهلها وأعادت دولا عشرات السنين إلى الوراء .
الطيب
No comments:
Post a Comment